هواجيس جامعية

Friday 8 June 2018




امشي بين ممرات الجامعة كل يوم الساعة السابعة واربعون دقيقة ، تلوح لي العاملة الهندية بيدها ، الجالسة بجانب دورات المياه ، المرأة المليئة بالإنسانية وخالية من اتقان العمل ، تحب الثرثرة ، وقفت معها أطلب منها بشكل غير قانوني ان تزودني من خلال ريالين بكوب قهوه تصنعه امرأة لل ( العميدة )



فتؤمي برأسها وتسألني عن حجم الكوب و ملئه بصوت عال جداً، وانا أحاول ان اسكتها كي لا تفضحنا، أشعر وانا اهمس لها بأنني اطلب المخدرات وهي المروجة الواثقة من شرف بضاعتها . بالثواني التي تستغرقها لتمد لي الكوب، تحكي لي عن حياة ( المروجة الأساسية صانعة القهوه ) كاملة وانها اخذت اجازه لتزويج ابنتها وكم استغرقت من يوم وماذا يجهزون،كأنه يهمني هذا الامر أمامي العديد من المحاضرات وأطلب المساعدة من تلك القهوة التي بين يدي، انا لا افهم كيف للناس ان يهتموا بولادة شخص ما او زواجه أو غيرها ، كيف يحاربون للحصول على الاخبار بشكل احترافي ، كنت افضل فكرة الولادة تحت شجرة ليحظى الإنسان بخصوصية رائعة لكني تراجعت عندما تذكرت أني امرأه .
احب القهوة الغير قانونية فهي بالأساس تٌقدم لصاحبة منصب عالي ، فأتلذذ بها بقولي : قهوة شيوخ . واحاول جمع البركة منها لأحظى بمنصب اعلا . فيقطع انسجامي دخول الدكتورة الصارم
و احب المقولات التي تعلق في ممرات الكلية ، اقف مندهشة عند تعليق أي مقولة جديدة ، اقرأها ثم التقط لها صورة ثم أصادف العديد من الدكاترة ليبدأ يومهم ، اومي برأسي لدكتورة إسلام ، الدكتورة الرائعة التي قالت لنا مره اثناء انتقادها لوطنها " انا لما بتكلم عن بلدي مابتكلم لاني بكرها ، دنا بحبها اوي وعاوزه يتحسن وضعها دنا بتكلم لاني عاوزة لها الأفضل" .
ابتسم للصف الطويل الذي ينتظر آلة القهوة التي تبتلع المال دون ارجاع الباقي بشكل غير قانوني ، يحتاج الواقف منهم اعتذار منها نيابة عن المحاضرات التي اجبرتهم على مفارقة سريرهم الدافئ ، لكن ما ان يصلو إليها أخيراً إلا وهي تقدم لهم شبه قهوه، ( غسال) كما تصفها إحدى الصديقات فهي تخلط الشكولاتة الساخنة مع الحليب والشاي.
أما النوع الآخر من بعض الطالبات فهم من تسمح لها حالتها المادية والاجتماعية بسائق خاص بشراء قهوة ستار بكس كل يوم، دخلت مره فتاة من هذا النوع متأخرة، ولأن ستار بكس يوظفون أشخاص يجنون مالهم عن طريق تسمية مشروبات ستار بكس باسم مميز وأظن أن العلاوات يحصل عليها الموظف الذي يختلق أطول وأصعب أسم مشروب، عاتبت دكتوره ( ليلى ) هذه الطالبة بقولها " متأخرة وجايبه معاج عصير بعد؟"، أين قسم الموارد البشرية الخاص بشركة ستار بكس عن دكتورة ليلى؟ عصير؟
اراقب بعض الفتيات في الممر ، كيف لهم ان يمشوا دون القاء التحية على العاملة او ايماء الرأس او الاندهاش والابتسامة ، و يلبسوا النظارة الشمسية في داخل المبنى كأنهم بذلك يتخفون ولا يراهم احد ، وان لا تلتفت رؤوسهم يميناً وشمال، كأنهم اصنام، حتى شعورهم تتحرك بشكل مستقيم دون ان تطل على اعينهم ، انا لا فهم هذه النوعية من الشخصيات ، الذين يعتقدون ان الرقي بالمظهرالمبالغ فيه وبالغرور القاتل ، وبالكلمتين اللتين يبخلون بها للجالس بجانبهم ،خاليه اعينهم من الاندهاش والتفاعل مع الحياة
تذكرت موقف حصل في موعد الأحوال المدنية أثناء استخراجي لبطاقة الأحوال لأثبت للناس أني سعودية ولست أمريكية كما يدعون عندما انتقد العادات والتقاليد الغبيه، المهم.. كان ( السستم عطلان ) الجملة التي ينبغي ان تضاف لدستور المملكة لكثرة تداولها ، دخلت فتاة بنفس الرقي الذي تعتقده هي، بكامل زينتها وتتصرف كرجل آلي ثم جلست بمكان مخالف للقانون لأن بجلوسها تهضم دور اكثر من ثلاثين امرأة قبلها ، نبهتها المسؤولة عن ذلك فجلست مره أخرى بمكان يشبهه ، فنبهتها للمرة الثانية بغضب . أهذه هي ( الرقيّ)  الذي تعرفه ؟ كيف يكون الانسان راقي بمظهره ودنيء بأخلاقه واحترامه للقانون و الاخرين ؟
كيف لهذه الشخصيات ان لا تنفعل لقاء معلومة جديده قيلت اثناء الغرفة الدراسية ، وان لا تناقش او تعارض موضوع فتح مثير للجدل ؟ كيف لها ان لا تضحك بصوت عال أو أن تغضب بشكل ملحوظ ؟ كيف لملامح اوجههم أن تكون على نفس النمط طوال الأسبوع ؟ و تخفيها مساحيق التجميل من إشعاع وتأثير الحياة ، و أن لا نرى من نظارتهم الشمسية حجم الاندهاش، كنت أعتقد أن الحياة فعلت فعلتها فيهم حتى جلست مع إحداهم وفهمت الأمر عندما وبختني لأني أجلس على الأرض و اصطحب معي " ترمس القهوة " من المنزل، بقولها " لا تفشلينا "
أما عن الوضوح فهو كان في يومي الأول في تدريبي التعاوني الثاني، قضيته بجانب موظفة تأففت من الدكتورة التي سلمتها عمل لا يقارن بربع عمل طالبات الجامعة، واضح وسهل ولا يأخذ أربع ساعات، لكنه سقط على رأسها كالمصيبة، زمّت شفتيها عندما رفضت الدكتورة تمديد الفترة إلى يوم القيامة كما طلبت 😊 وقدمتني لها كمساعده ومدققه، كان وزنها فوق الطبيعي، جميله ببساطتها، تحدثنا وهي تلتهتم التوست البر وكانت محشية بالجبن والخس، وبجانبها عصير أناناس، أما مكتبها فكان معلق بجانبه ورقة مرسوم فيها تمارين رياضية، أما شعرها مربوط للأعلا ولديها ثلاث خصل شيب تظهرها دون خجل أو تحفظ.
لديها كرسي وردي صغير تسند عليه قدماها في حال شدتها الحماسة للعمل، تلصق صدرها في حافة المكتب، لا تستطيع إخفاء أي انفعال على وجهها، تحمل الماجستير من بلد أجنبي وتستخدم ترجمة قوقل، تجيب على الهاتف بنفس اللغة والأسلوب الذي تستخدمه مع صديقاتها.
كنا منسجمين معاً في العمل على الإتفاقيات ثم فجأه تدفع نفسها بكرسيها الدوار للخف حيث كانوا زميلاتها يتهامسون بموضوع مثير للاهتمام عن موظفة أخرى، فأندهش من موهبتها تلك، وأقسم أني لم انتبه لوجود أشخاص معي في نفس الغرفة فكيف بالموضوع الذي يتهامسون فيه
تتأفف.. يخنقها الوقت وتخنقه هي بإهمال تنظيمه تضحك بصوت عالي فيزهر فيني شيء ما، اللون الأصفر واضح تحت حاجبيها وبالكاد تضع مرطب للوجه، تسألني عن عمري وعائلتي من باب الفضول ونحن غارقين في العمل، على مكتبها قارورتين ماء من نوع نوفا، لديها مشبك لونه وردي يحمل عبارة لا أراها وعلى مكتبها تحفة خشبية يحمل أول حرف من اسمها، تبعد شاشة الكمبيوتر في اقصى الطاولة لتحافظ على صحة نظرها ولكنها تفسد النظام بإلصاق وجهها على الشاشة لم تشرب الكافين وتنازلت عن عشر دقائق من وقت راحتها.

أتأمل الممرات والأشخاص وأعيش الوقت منذ اليوم الأول وهاهو اليوم الأخير، بنفس درجة الحماسة والشغف، لأني أعلم بأني لن احظى بمكان سيفتح حضنة لي لأخطئ، ويتملك الفرص أكثر من ما أمتلكه لنفسي، وأتغذى منه فكريّاً و روحيّاً، بكيت في يوم التخرج على اللحظات لم أنتبه لها، وأستغفرت الله على كل زفرت يأس شعرت بها، وحمدت الله على الأيديّ التي كانت معي تضحك ببكاء وتلتقط لحظة بكائي التي كُتبت في تاريخ صداقتنا وها أنا أدفع ثمن تلك الدموع عن طريق إبتزازهم لي، وبكيت أكثر لأن أسمي نُطق في حفل التخرج ب( سديّم الدحيّم) وحصل على أسوء أسم في تاريخ مواليد الخمسة وتسعين، وأنا متأكدة أن الجميع أشفق عليّ، كيف تعيش تلك مع خزي أسمها المحرج ؟ ولها عين أيضاً بأن تُكرم في حفل التخرج؟
ثم كتبت بعد ذلك بأن نتأثر ونرى ولن ننسى، وشاح دكتوره "خديجة محجوب"، وهي تغرقنا بفلسفة القانون الدولي، لا أذكر أني مره استوقفت الانصات لها ونظرت للساعة، ولا أذكر مره أن مداخلتي أو تساؤلي لم يُحظى بعين الاهتمام والترحيب، صبرها الذي يُدرّس وتعليمها وثقافتها وتجاربها التي لا تنتهي، ورغم ذلك هي من علمني أن الإنسان مهما بلغ من العلم والمعرفة يجب عليه ان يشعر أنه بحاجة للمزيد من التعلّم ولا يتوقف، طلبت مني مره أن اخلع عاطفتي قبل دخولي للقاعة الدراسية، تتحدث بلهجتها الرائعة بين اللغة العربية الفصحى واللهجة السودانية والإنجليزية المتطلبة في المنهج واللغة اللاتينية
قلت لها مره أن الصرامة التي تتمتعين بها في حياتك المهنية احترمها، وانا مندهشة جداً لو كانت تلك الصرامة تستخدم في حياتك الاجتماعية، أرسلت رسالة مره اطلب منها فقط أن تطلعني على طريقة الاسئلة، فحصلت تلك الرسالة على اعجاب الجميع وعطفهم إلا هي، تمسكت بأمانتها مثل ما ذكرت في الرد
أما عن أ: نورة السيّار ، الأكاديمية الرائعه التي كانت تحافظ على معاملة طالباتها بنفس المستوى، ولا تميز احدهم عن الآخر مهما كان يحاول إظهار جديّته وجهده، صُدمت في آخر محاضرة معها أنها تحفظ أسمي، ولم تكتفي بذلك فحسب، بل اثنت عليّ بكلمات لا أنساها في حياتي
فكان تعامل عادل منها ورائع، هي الآن في منصب رئيسة قسم الأنظمة التي بمجرد تعيينها جُبرت خواطرنا ووصل صوتنا، وما زالت تعمل بجد، ممتنه لها ومحظوظ قسم الأنظمة به

أما عن " دكتور احمد اليوسف " الذي كان " أصول الفقه" معه نقله فكرية لي، كان يجيب على تساؤلاتنا بتساؤل آخر يفتح بها عقولنا وقلوبنا، يرينا الطريق ويعطينا كلمات من نور، في أول محاضرة من باب تعريفه بنفسه مرر شريحة شهاداته وانجازاته بسرعه وكان يقول" عاد هاذي ما عليكم منها"، أما عن اخر محاضرة قال فيها " شكراً لتحملكم صوتي المزعج"، راقي ومرن وأذكر أني كطالبه متحمسه أرسلت عدة ملاحظات له عن طريق البريد الإلكتروني، وكدكتور مرن ومتواضع شكرني عليها ثم تقبلها بصدر رحب. كنت اتمنى أن اتشرف مره اخرى بدراسة" القواعد الفقهية " معه
لكن كتب الله لي، التعليم تحت يد " دكتوره منال القصبي"، التي اتفق مع ربع فكرها فقط وأخالف الباقي، ولكن مع ذلك كانت تتيح لي المجال الواسع بمناقشتها وحوارها، ليست هي الدكتوره التي يحاول الطالب كسبها لو على حساب آرائه الشخصية، ولا كنت اتردد من أنها " بتحقد عليّ وتنقصني" كنت اعتب على خطة التخصص التي تبخل علينا بساعتين في الأسبوع، واتعطّش دائماً لفتح حوارٍ معها عن أي فكرة في المنهج أو خارجه ثم يخنقنا الوقت، ممتنه لها ولجديتها وسمو أخلاقها
أما عن المعلم الحقيقي الذي يعطي الاهتمام والعناية لراحة طلابه، أرسلت بعد اسبوعين من بداية دراسة المنهج رابط لكتابة ملاحظاتنا على طريقة الشرح المناسبة لنا، حتى أنها حاولت زرع حب مادة المنافسة في قلوب طالباتها رغم انها ليست مُلزمه بذلك
طرحت لي ملاحظات معينه على طريقة اجابتي في الاختبار، ثم شكرتني بعد الاختبار الثاني لأني حاولت تصحيح تلك الملاحظات، كانت الرسالة الحقيقية للمعلم الذي لا يترك طلابه في المنتصف أو " هم يتصرفون"، ممتنه لأستاذة " ساره الشهري"
سنفتقد اللهجة العراقية من دكتوره ليلى، والآراء الحقوقية من دكتوره اسلام وقبل كل ذلك، الحمدلله على توفيقه وتيسيره و تسخيره، الحمدلله على زرع التفاؤل وحب العمل في قلوبنا، الحمدلله الذي مدنا بالقوة الكافية لتحمل اذى بعض الكلمات والمواقف، الحمدلله الذي يلهمنا بالقوة لننهض في منتصف الليل نسترجع دروسنا، الحمدلله على من يلهمنا لتذكر ما تعلمناه وحفظناهم عبدالنبي، وروح استاذه خوله الغيلان





     
الحمدلله على التمام .. 



0 التعليقات:

Post a Comment